24 نوفمبر 2024 | 22 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. توفيق يوسف العبيد : ينبغي ألا تبقى الهجرة النبوية مجرد قصة في طيات الكتب

27 أكتوبر 2014

هل سمعتم ببلسم للجراح حين تنزف؟ وأمان للقلب في لحظات الخوف المطبق؟ وذروة طغيان الكفر واستعلائه؟ ذلك هو أثر كلمات قالها النبي صلي الله عليه وسلم وسطرها القرآن الكريم، قالها النبي لصاحبه وهو في الغار: " لا تحزن إن الله معنا" فسجلت هذه الكلمات تاريخا لا يُمحى من ذاكرة الأيام، وقصة تُدرّس عبر الأجيال؛ تلك هي قصة الهجرة، التي كانت منهجا لبناء أمة، وملحمة لصناعة مجدٍ وتاريخ، لم تكن قصة الهجرة قصة رجلين فرّا من قومهما ورحلا من بلد إلى بلد، ولكنها كانت أحد مناهج النبوة، وأحد معالم هذه الرسالة، سطّرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطوات المباركة التي اتخذها من مكة المكرمة إلى يثرب، والتي أصبحت بمقدِمه عليها تُسمى "المدينة المنورة".

القصة – كما يراها الدكتور توفيق يوسف العبيد دكتوراه التفسير وعلوم القرآن- تبدأ في لحظات التآمر الأسود، كما كان ديدن الكفار في كل زمان ومكان، لهم مجالسهم ومؤتمراتهم المطبِقة، التي يكون وراء كواليسها مؤامرة على قتل الحق وأهله، لكن الله ناصر عبده، ومتم نوره ولو كره الكافرون، ومضى الرفيقان، النبي وصاحبه الصدّيق إلى غار ثور، ويخرج مقتفيّ الأثر وراءهم، حتى أن أبي بكر يقول خائفا: " لو نظر أحدهم أسفل قدميه لرآنا" فيجيبه الحبيب عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أنس بن مالك في الصحيح: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟" (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) التوبه 40.

يقول الدكتور توفيق العبيد إن الأمة إذا تركت قول (إن الله معنا) وسَعَت نحو غرب وشرق، تستجدي نصرة وتستجدي مجدا، لن يأتيها عز ولا انتصار إلا من ميدان إن الله معنا.

ثم يخرج الركب المبارك ليمضي بهذه الرحلة الملهمة، تخُط الخطي، وتسطر بكل موطئ قدم في الصحراء مجدا وتاريخا لأمة قدّر الله تعالى لها أن تكون قائدة للأمم، ولكن القيادة تحتاج إلى قائد حكيم – كما يرى الدكتور العبيد – وتحتاج إلى خطط مسبقة، وإلى حُسن ظن وإيمان بالله عز وجل، وقلب لا يعرف لليأس طريقا، ولا للضعف مكانا لأنه يستنصر بقوة الله سبحانه الذي قال (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) الحج 38، يا أيها الذين أمنوا إذا كان الله يدافع عنكم فأي ضعف تستشعرون؟ وأي قوة تفقدون؟ أمة لا تستشعر القوة وهي تعبد الله وحده هي أمه ابتعدت عن منهج الحياة، على الأمة ألا تقرأ خبر الأولين على أنه مجرد خبر، بل لابد أن تقرأه على أنه قصة وعبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي والمعجزات يأخذ بالأسباب، ولا يظن أنه حين خرج للهجرة متخفيا أن في ذلك ضعفا أو تخليا من الله عن نصرته، ولكنه حق التوكل على الله، فمن الحكمة بمكان أن نقتدي بهذا المسلك في عصرنا الحديث، فالأمة ليس لديها معجزات، لا تقل (إن للبيت ربا يحميه) ، لا تقل (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) المائدة 24، فلن يأتي طير أبابيل ثانية ولن ينشق البحر مرة أخرى، فعلى الأمة أن تسلك منهاج النبوة، بأن تأخذ بالأسباب وتتوكل على رب الأسباب، تُعد العدة وتجهز العتاد (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) الأنفال 60، إن الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما اتخذ أسبابا فإنه يقدم لنا نموذج القائد الناجح، ويرسم لنا صورة المؤمن الذي يتكلم بمنطق القوة والانتصار، مهما كانت قوة التحالف ضده.

ويؤكد الدكتور توفيق العبيد أن قصة رحلة الهجرة ينبغي أن تتجاوز فكرة الهجرة من موطن إلى موطن ، ولكنها هجرة الأمة عن المعاصي ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أعلنها للإنسانية مدوية؛ (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية) فأحسنوا النية وأحسنوا الجهاد وأحسنوا الهجرة إلى الطاعات، واتركوا ما نهى الله عنه من الآثام والمنكرات، ويضيف؛ نحن إذ نطل على عام هجري جديد، ما أحوج الأمة أن تستلهم منهاج النصر، منهاج القائد الذي يخلصها مما هي فيه، بعد أن تكالبت عليها الأمم، وتآمرت عليها المِلل والنِحل، وعلى الأمة أن تعلم أن العروة الوثقى هي لا إله إلا الله، وأن التمسك بسنة الحبيب هو طريق النجاة، فبمقدار ما تعود الأمة إلى منهاج نبيها وإلى كتاب ربها، بمقدار ما تحقق مجدا ونصرا جديدا، فلا يجب أن تبقى الهجرة قصة في طيات الكتب، بل يجب أن نعلمها لأبنائنا، وأن ندربهم على ما كان من ماضيهم التليد الذي رسمه الحبيب عليه الصلاة والسلام منهجا وفكرا، وسنة تنير للإنسانية درب الخير والعدالة ، وتوضح لهم أن الحق منتصر لا محالة.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت